تطورات السودان- ضعف الدعم السريع وتضاؤل فرص المبادرة التركية.

المؤلف: ركابي حسن يعقوب09.24.2025
تطورات السودان- ضعف الدعم السريع وتضاؤل فرص المبادرة التركية.

في منعطف دراماتيكي للأحداث، شهد الصراع المحتدم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع سلسلة من التطورات المتسارعة منذ بداية العام الجاري. هذه التطورات بلغت ذروتها يوم السبت الموافق 11 يناير/كانون الثاني، حيث تكبدت قوات الدعم السريع هزيمة قاسية على يد الجيش السوداني في ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني، بالإضافة إلى تقدم الجيش في الخرطوم بحري ومصفاة الجيلي، التي تُعتبر معقلًا رئيسيًا لقوات الدعم السريع في العاصمة.

في اعتراف نادر بالهزيمة، أقر قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في تسجيل صوتي يُنسب إليه، بخسارة قواته في ولاية الجزيرة، معلقًا بالقول: "خسرنا جولة ولم نخسر المعركة".

الجدير بالذكر أن حميدتي قد استخدم العبارة ذاتها عند هزيمة قواته في معركة جبل موية في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، متعهدًا باستعادة المنطقة، وهو وعد لم يتحقق حتى الآن.

إن استعادة الجيش السوداني لمدينة ود مدني تمثل تتويجًا لسلسلة انتصارات حققها في مناطق متفرقة بولاية الجزيرة، والتي كانت خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. ومع استعادة ود مدني، يكون الجيش قد استكمل استعادة كامل ولايتي الجزيرة وسنار بوسط السودان، وبسط نفوذه الكامل عليهما.

وعلى جبهة العاصمة الخرطوم، يواصل الجيش تقدمه بثبات في جنوب وغرب أم درمان، وشمال ووسط الخرطوم بحري. وفي إقليم دارفور، حقق الجيش والقوات المشتركة تقدمًا ملحوظًا باقتحام منطقة الزرق بشمال دارفور الشهر الماضي، وهي منطقة محصنة تُعد من أهم معاقل الدعم السريع، حيث تمثل مستودعًا للأسلحة وإمدادات لوجستية حيوية تعتمد عليها قوات الدعم السريع في عملياتها ضد الجيش في دارفور.

علاوة على ذلك، باءت محاولات الدعم السريع المتكررة للسيطرة على الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، بالفشل، وتعثرت عمليات الإمداد اللوجيستي الجوية القادمة من الخارج. فقد شهد مطار نيالا بجنوب دارفور، الخاضع لسيطرة قوات الدعم السريع، تحطم عدد من الطائرات الأجنبية تحت ضربات سلاح الجو السوداني، وكانت هذه الطائرات محملة بشحنات أسلحة ومؤن مخصصة للدعم السريع، مما أضعف قدرة الدعم السريع على شن هجمات لاستعادة المواقع التي خسرتها.

هذا المشهد العام يشير بوضوح إلى تدهور الموقف العسكري لقوات الدعم السريع على مختلف الجبهات، بينما يشهد موقف الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه على الأرض تحسنًا ملحوظًا وازديادًا في القوة.

في ضوء هذه التطورات، يتبادر إلى الذهن سؤال محوري: ما هو مصير المبادرة التركية في ظل هذا التحول الجذري في ميزان القوى بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والذي يميل بشكل واضح لصالح الجيش؟

عندما أُعلن عن هذه المبادرة وحظيت بموافقة السودان، كانت قوات الدعم السريع تسيطر على أجزاء كبيرة من ولاية الجزيرة وتفرض هيمنتها على مناطق في العاصمة الخرطوم.

كان يسود اعتقاد واسع بأن المبادرة التركية ستركز على تثبيت هذا الوضع القائم، أو بعبارة أخرى، تجميد الوضع على الأرض ثم الدخول في مفاوضات. إلا أن الإعلان الرسمي عن موافقة الطرفين على المبادرة تأخر، حيث نصت المبادرة على أن يصدر كل طرف بيانًا رسميًا يعلن فيه موافقته على المبادرة، على أن يكون البيان خاليًا من أي اتهامات أو انتقادات للطرف الآخر. ولكن هذا لم يحدث حتى الآن، ولم يتم الكشف عن السبب من قبل الوسيط التركي.

للإجابة عن السؤال المتعلق بمصير المبادرة التركية، يمكن تحليل مواقف طرفي النزاع؛ لتحديد أفضل الخيارات المتاحة لكل طرف. ونظرًا للطبيعة العسكرية للنزاع، سيركز التحليل بشكل أساسي على الموقف العسكري الحالي لكل طرف، باعتباره عاملًا حاسمًا في قبوله أو رفضه للمبادرة.

بالنسبة للحكومة السودانية، يبدو موقفها العسكري قويًا بعد استعادة ولاية الجزيرة، التي تعتبر موقعًا استراتيجيًا ومفتاحًا لطرق الربط بين العاصمة الخرطوم والمناطق الجنوبية والشرقية من البلاد، مما يمنح الجيش ميزة استراتيجية للتحكم في خطوط الإمداد.

هذه الميزة تمنح الجيش دفعة معنوية هائلة، مما يعزز قدرته على الاستمرار في حملته العسكرية ضد الدعم السريع، ويشجعه على التقدم لاستعادة المزيد من المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع. وقد صرح رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان عقب تحرير ود مدني قائلًا: "سنسترد ونطهر كل شبر في أرضنا من مليشيا الدعم السريع".

كما أن تحرير ود مدني سيساعد الجيش السوداني على تفكيك تمركزات قوات الدعم السريع حول العاصمة الخرطوم وداخلها، وتقليص المساحة التي تتحرك فيها، وفرض حصار آخر عليها مماثل للحصار الذي فرضه عليها في ولاية الجزيرة، مما يسهل عليه الانقضاض عليها مرة أخرى.

وعلى الصعيد السياسي، أظهرت الاحتفالات والمظاهرات التي عمت المدن السودانية، وعدد من العواصم العربية والغربية، عقب الإعلان عن تحرير ود مدني، أن الحكومة والجيش السوداني يتمتعان بتأييد شعبي واسع النطاق.

في المقابل، يبدو الموقف العسكري والسياسي لقوات الدعم السريع في أضعف حالاته. فقد خسرت الدعم السريع ولاية الجزيرة، وفَقدت معها مساحة واسعة كانت ستتيح لها الفرصة للتوسع شرقًا وتأمين قواتها شمالًا حتى مشارف ولاية نهر النيل مرورًا بالعاصمة الخرطوم. وبفقدانها الجزيرة، أصبحت قواتها على طول الطريق من ولاية الجزيرة حتى شمال العاصمة الخرطوم تحت رحمة الجيش السوداني، مما يرجح تشتت هذه القوات وانهيارها، أو انسحابها غربًا نحو دارفور.

وهذا الانسحاب، إذا حدث، سيعرضها حتمًا لنيران سلاح الجو السوداني؛ بسبب أن هذا الانسحاب سيكون في منطقة مكشوفة، هذا بالإضافة إلى انقطاع خطوط الإمدادات التي كانت تأتي إليها عبر مناطق أصبحت تحت سيطرة الجيش.

أما سياسيًا، فقد منيت الدعم السريع بخسارة فادحة؛ بسبب العنف المفرط والقتل الممنهج والمذابح التي ارتكبتها في حق المدنيين والنهب والاغتصاب وتدمير البنى التحتية. هذه الممارسات أفقدتها تأييد الأهالي والجماعات السياسية ذات النفوذ الاجتماعي في مختلف ولايات السودان، وقد بدأت بوادر التخلي عن الدعم السريع من بعض القوى السياسية والشخصيات التي كانت تمثل حليفًا سياسيًا لها.

وفي هذا السياق، أعلن أحد كبار مستشاري الدعم السريع تبرُّؤَه من الدعم السريع قبل وقت قصير من تحرير الجيش مدينة ود مدني، وتراجعت الحملات الدعائية المؤيدة للدعم السريع في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل ملحوظ.

بناءً على هذه المعطيات على الجانبين؛ جانب الحكومة السودانية، وجانب الدعم السريع، فإنه من المرجح أن تتضاءل أهمية المبادرة التركية في نظر الحكومة السودانية، ويتعاظم لديها خيار الحسم العسكري على الأرض، وتراه أقصر الطرق إلى وضع حد للأزمة بتحقيق نصر كامل لا تسوية فيه، خاصة أن المزاج الشعبي يميل بشدة إلى هذا الخيار.

وحتى إذا مالت إلى خيار التفاوض عبر المبادرة التركية، فسيكون ذلك من موقع قوة وانتصار يتيح لها مساحة واسعة للمناورة وكسب النقاط.

وعلى الطرف الآخر، فإن قوات الدعم السريع ومن يدعمها سيكونون أكثر ميلًا وحرصًا على خيار التفاوض والتمسك بالمبادرة التركية على قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، على أمل تحقيق مكاسب سياسية لم يتمكنوا من تحقيقها عسكريًا.

مهما كانت التطورات، فمن المرجح أن تفقد المبادرة التركية الكثير من بريقها وأهميتها بالنسبة للطرفين. فإذا استمرت انتصارات الجيش السوداني في الأيام المقبلة، فإن اهتمامه بالمبادرة سيقل، وبالتالي فإن الطرف الآخر سيكون أمام وضع حرج، ولا يُتوقع منه أن يأتي إلى طاولة المفاوضات وهو في موقف ضعف وهزيمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة